ينما كنت مهموماً أتابع أخبار المسلمين وما أصابهم من مصائب، خاطبتني
نفسي قائلة: يا هذا، أنـــــت من يؤخر النصر عن هذه الأمة، بل وأنــــــــــت
سبب رئيسي في كل البلاء الذي نحن فيه !
قلت لها: أيا نفسي كيف ذاك وأنا عبد ضعيف لا أملك سلطة ولا قوة، لو أمرت
المسلمين ما ائتمروا ولو نصحتهم ما انتصحوا…
فقاطعتني مسرعة، إنها ذنوبــــــــــــــــك ومعاصيـــــــــــــــك ، إنها معاصيك
التي بارزت بها الله ليل ونهار… إنه زهدك عن الواجبـــــــــــــــــــــات وحرصك
على المحرمــــــــــــــــــــــات…
قلت لها : وماذا فعلت أنا حتى تلقين عليّ اللوم في تأخير النصر؟
قالت: يا عبدالله والله لو جلست أعدُّ لك ما تفعل الآن لمضى وقت طويل ..
فهل أنت ممن يصلون الفجر في جماعـــــــــــة؟
قلت: نعم أحيانا، ويفوتني في بعض المرات…
قالت مقاطعة: هذا هو التناقض بعينه، كيف تدّعي قدرتك على الجهاد ضد
عدوّك، وقد فشلت في جهاد نفسك أولاً، في أمر لا يكلفك دما ولا مالاً، لا يعدو
كونه دقائق قليلة تبذلها في ركعتين مفروضتين من الله الواحد القهار…
كيف تطلب الجهاد، وأنت الذي تخبّط في أداء الصلوات المفروضة، وترك صلاة
الجماعة، وضيّع السنن الراتبة، ولم يقرأ ورده من القرآن، ونسي أذكار الصباح
والمساء، ولم يترك الغيبـــــــة، ولم يكن بـــــــارّاً لوالديه، ولا واصلاً لرحمه؟
واستمــــــرأ النظــــــــــــــــــر إلى محرمات في صحف أو شاشـــــــــات،
وأدخـــــــــــــل المفسدات، وقصر في واجـــــــــــــــــــــــب الأمر بالمعروف
والنهي عن المنكر والدعـــــــــــــــــــوة إلى الله،
وانشغل بالترهـــــــــــــــــات.
واستطردت قائلة : كيف تطلب تحكيم شريعة الله في بلادك، وامتثال حكام المسلمين
لشريعة الله ، وأنت نفسك لم تحكمها في نفسك وبين أهل بيتك، فلم تتقِ الله فيهم،
ولم تدعهم إلى الهدى، وتبعــــــــــــــدهـم عن المحرمات، ولم تحرص على
إطعامهم من حلال,، وكنت من الذين قال الله فيهم: "يحبون المالَ حباً جماً"،
فبعت ما فيه منكرات، وكذبت وغششت وأخلفت الوعد فاستحققت الوعيد…
قلت لها مقاطعاً: ومال هذا وتأخيــــــــــــــــر النصر؟
أيتأخر النصر في الأمة كلها بسبب واحد في المليار؟
قالت: آه ثم آه ثم آه، فقد استنسخت الدنيا مئات الملايين من أمثالك
إلا من رحم الله…
كلهم ينتهجون نهجك فلا يعبؤون بطاعة ولا يخافون معصية وتعلل الجميع أنهم
يطلبون النصر لأن بالأمة من هو أفضل منهم، لكن الحقيقة المؤلمة أن الجميع
سواء إلا من رحم رب السماء…
أما علمت يا عبد الله أن الصحابة إذا استعجلوا النصر ولم يأتهم علموا
أن بالجيش من أذنـــــب ذنبا…
أما علمت بأن أبا أبا الدرداء - رضي الله عنه - كان يوصي أصحابه بقوله :
( إنما تقاتلون بأعمالكم ) ..
ألم يقل شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - :
( وحيث ظهر الكفار، فإنما ذاك لذنوب المسلمين التي أوجبت نقص إيمانهم .. )
فما بالك بأمــــة واقعة في الذنوب من كبيـــــرها إلى صغيـــــرها ومن حقيرها
إلى عظيمها… ألا ترى ما يحيق بها في مشارق الأرض ومغاربها ؟؟؟
حقا إن غربة الإسلام اليوم بين كثير من العالم الإسلامي بدت واضحة في عدم فهم
الإسلام، أو الإعراض عنه مع العلم به، واستبداله بغيره، فتلك والله غربة الإسلام
وصدق الإمام الألباني - رحمه الله - حيث قال :
مصيبة العالم الإسلامي اليوم أخطر من احتلال اليهود لفلسطين !
مصيبة العالم الإسلامي اليوم أنهم ضلـوا سواء السبيل .
أنهم ما عرفوا الإسلام الذي به تتحقق سعادة الدنيا والآخرة معاً.
بدأت قطــــــــرات الدمع تنساب على وجهي، فلم أكن أتصور ولو ليوم واحد
وأنا ذاك الرجل الذي أحببت الله ورسوله وأحببت الإسلام وأهله، أن أكون
سببــــــــــــــــــــــاً من أسباب هزيمة المسلمين…وأنني قد أكون
شريكـــــــــــــــــــــاً في أنهار الدماء المسلمة البريئة المنهمرة
في كثير من بقاع الأرض…
لقد كان من السهل عليّ إلقاء اللوم. على هذا أو ذاك… لكنني لم أفكر
فـــــــــــي عيبي وخطئي أولاً…
ولم أتدبــــــر قول الله تعالى( إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم).
فقلـــت لنفسي: الحمد لله الذي جعل لي نفساً لوامةً،
يقسم الله بمثلها في القرآن إلى يوم القيامة… فبماذا تنصحيـــــــــــــــــــــن؟
فقالت: أبدأ بنفسك مستمسكا بما كان عليه سلفك الصالح ،
وإياك والانضمام للأحزاب فإنها رق بلا ثمن وما زادت هذه الأمة إلا وهنا على وهن ،
قم بالفروض فصلِّ الصلوات الخمس في أوقاتها في
الجماعة، وادفع الزكاة وإياك وعقوق الوالدين، تحبّب إلى الله بالسنن، لا تترك
فرصة تتقرّب فيها إلى الله ولو كانت صغيرة إلا وفعلتها، وتذكر أن تبسّمك في
وجه أخيك صدقة، لا تدع إلى شيء وتأت بخلافه، ولا تطالب برفع راية الجهاد
وأنت الذي فشل في جهاد نفسه، ولا تلقِ اللوم على الآخرين تهرّباً من
المسؤولية، بل أصلح نفسك وسينصلح حال غيرك، كن قدوةً في كل مكان
تذهب فيه…إذا كنت تمضي وقتك ناقداً عيوب الناس، فتوقف جزاك الله خيراً
فالنقاد كثر وابدأ بإصلاح نفسك ودعــــــــــــــــــــــــــــوة غيرك واجتهد في
ذلك…وبعدها اسأل الله بصدق أن يؤتيك النصر أنت ومن معك وكل من سار على
نهجك، فتكون ممن قال الله فيهم: (إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم)...
واعلـــــــــم أن كـــــل معصية تعصي الله بها وكــــــل طاعة تفرّط فيها هي
دليل إدانـــــــــــــــــة ضدّك في محكمــــــة دمــــــــــــــاء المسلمين الأبرياء…
فرفعت رأسي مستغفراً الله على ما كان مني ومسحت الدمــــع من على
وجهي… وقلت يا رب…إنهـــــا التوبة إليك…لقد تبت إليك.
ولنفتح صفحـــــــــــــــــــــــــــة حياة جديــــــــدة…
بدأتها بركعتين في جوف الليل…أسأل الله أن يديم عليّ نعمتها…
جزى الله خيرا من أعان على نشر هذه التذكرة ..
من روائع شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -
من فارق الدليل ضل السبيل
ولا دليل إلا بما جاء به الرسول - عليه الصلاة والسلام -