وجد مكتوبا على قبر:
تناجيك أجداثٌ وهن صُمُوت *** وسكانها تحت التراب خُفُوتُ
أيا جامع الدنيا لغير بلاغـة *** لمن تجمع الدنيا وأنت تموت؟
ووجد على قبر آخر مكتوبا:
أبا غانمٍ أمَّا فِنَاك فواســـع *** وقبرُك معمور الجوانب محكمُ
وما ينفع المقبورَ عمرانُ قبرِه *** إذا كان فيه جسمه يتهـــدّمُ
وقال ابن السماك رحمه الله: مررت على المقابر فإذا على قبر مكتوب:
يمر أقاربي جنبــات قبري *** كــأن أقاربي لم يعرفوني
ذوو الميراث يقتسمـون مالي *** وما يَأْلُون أن جحدوا ديوني
وقد أخذوا سِهـامهم وعاشوا *** فيالله أســـرع ما نسوني
(السهام: مفردها: السهم: النصيب والحظ).
ووجد على قبر مكتوبا:
إن الحبيب من الأحبـــاب مُخْتَلَس *** لا يمنع الموت بواب ولا حرسُ
فكيف تفــرح بالدنيــا ولذتــها *** يا من يعد عليه اللفظَ والنفـسُ؟
أصبحت يا غافلا في النقص منغمسا *** وأنت دهرَك في اللذات منغمـسُ
لا يــرحم الموتُ ذا جهل لغِـرَّته *** ولا الــذي كان منه العلم يُقتبسُ
كم أخرس الموت في قبر وقفـت به *** عن الجـواب لسانا ما به خرسُ
قد كان قصرك معمورا له شــرف *** فقبرُك اليوم في الأجداث منْدَرِسُ
(الغرة: الغفلة)
ووجد على قبر آخر مكتوبا:
وقفت على الأحبة حين صُفَّت *** قبورهم كأفراس الرهان
فلما أن بكيت وفاض دمـعي *** رأت عيناي بينهم مكاني
ووجد على قبر طبيب مكتوبا:
قد قلت: لما قال لي قائل: *** صار لقمان إلى رَمسِـه
فأين ما يوصف من طبه *** وحِذقه في الماء مع جسه
هيهات لا يدفع عن غيره *** من كان لا يدفع عن نفسه
(الرمس: القبر مستويا لا يعلو عن وجه الأرض / حَذَق: وحَذِق حَذقا وحِذقا: كان ماهرا فهو حاذِق)
ووجد على قبر آخر مكتوبا:
يا أيها الناس كان لي أمــلُ *** قصر بي عن بلـوغِه الأجلُ
فليتـق الله ربــه رجــل *** أمكنه في حيـاته العمــلُ
ما أنا وحدي نقلت حيث ترى *** كل إلى مثقلــه سينتقــل
فهذه أبيات كتبت على قبور ... والبصير هو الذي ينظر إلى غيره فيرى مكانه بين أظهرهم، فيستعد للحوق بهم، ويعلم أنهم لا يبرحون من مكانهم ما لم يلحق بهم. وليتحقق أنه لو عرض عليهم يوم من أيام عمره الذي هو مضيع له لكان ذلك أحب إليهم من الدنيا بحذافيرها، لأنهم عرفوا قدر الأعمار، وانكشفت لهم حقائق الأمور، فإنما حسرتهم على يوم من العمر ليتدارك المقصر به تقصيره فيتخلص من العقاب، وليستزيد الموفق به رتبه فيتضاعف له الثواب، فإنهم إنما عرفوا قدر العمر بعد انقاطعه، فحسرتهم على ساعة من الحياة وأنت قادر على تلك الساعة، ولعلك تقدر على أمثالها، ثم أنت مضيع لها. فوطِّن نفسك على النحسر على تضييعها عند خروج الأمر من الاختيار، إذا لم تأخذ نصيبك من ساعتك على سبيل الابتدار، فقد قال بعض الصالحين: رأيت أخا لي في الله فيما يرى النائم فقلت: يا فلان، عشت الحمد لله رب العالمين، قال: لأن أقدر على أن أقولها –يعني الحمد لله رب العالمين- أحب إلي من الدنيا وما فيها، ثم قال: ألم تر حيث كانوا يدفنوني؟ فإن فلانا قد قام فصلى ركعتين، لأن أكون أقدر على أن أصليها أحب إلي من الدنيا وما فيها.
تناجيك أجداثٌ وهن صُمُوت *** وسكانها تحت التراب خُفُوتُ
أيا جامع الدنيا لغير بلاغـة *** لمن تجمع الدنيا وأنت تموت؟
ووجد على قبر آخر مكتوبا:
أبا غانمٍ أمَّا فِنَاك فواســـع *** وقبرُك معمور الجوانب محكمُ
وما ينفع المقبورَ عمرانُ قبرِه *** إذا كان فيه جسمه يتهـــدّمُ
وقال ابن السماك رحمه الله: مررت على المقابر فإذا على قبر مكتوب:
يمر أقاربي جنبــات قبري *** كــأن أقاربي لم يعرفوني
ذوو الميراث يقتسمـون مالي *** وما يَأْلُون أن جحدوا ديوني
وقد أخذوا سِهـامهم وعاشوا *** فيالله أســـرع ما نسوني
(السهام: مفردها: السهم: النصيب والحظ).
ووجد على قبر مكتوبا:
إن الحبيب من الأحبـــاب مُخْتَلَس *** لا يمنع الموت بواب ولا حرسُ
فكيف تفــرح بالدنيــا ولذتــها *** يا من يعد عليه اللفظَ والنفـسُ؟
أصبحت يا غافلا في النقص منغمسا *** وأنت دهرَك في اللذات منغمـسُ
لا يــرحم الموتُ ذا جهل لغِـرَّته *** ولا الــذي كان منه العلم يُقتبسُ
كم أخرس الموت في قبر وقفـت به *** عن الجـواب لسانا ما به خرسُ
قد كان قصرك معمورا له شــرف *** فقبرُك اليوم في الأجداث منْدَرِسُ
(الغرة: الغفلة)
ووجد على قبر آخر مكتوبا:
وقفت على الأحبة حين صُفَّت *** قبورهم كأفراس الرهان
فلما أن بكيت وفاض دمـعي *** رأت عيناي بينهم مكاني
ووجد على قبر طبيب مكتوبا:
قد قلت: لما قال لي قائل: *** صار لقمان إلى رَمسِـه
فأين ما يوصف من طبه *** وحِذقه في الماء مع جسه
هيهات لا يدفع عن غيره *** من كان لا يدفع عن نفسه
(الرمس: القبر مستويا لا يعلو عن وجه الأرض / حَذَق: وحَذِق حَذقا وحِذقا: كان ماهرا فهو حاذِق)
ووجد على قبر آخر مكتوبا:
يا أيها الناس كان لي أمــلُ *** قصر بي عن بلـوغِه الأجلُ
فليتـق الله ربــه رجــل *** أمكنه في حيـاته العمــلُ
ما أنا وحدي نقلت حيث ترى *** كل إلى مثقلــه سينتقــل
فهذه أبيات كتبت على قبور ... والبصير هو الذي ينظر إلى غيره فيرى مكانه بين أظهرهم، فيستعد للحوق بهم، ويعلم أنهم لا يبرحون من مكانهم ما لم يلحق بهم. وليتحقق أنه لو عرض عليهم يوم من أيام عمره الذي هو مضيع له لكان ذلك أحب إليهم من الدنيا بحذافيرها، لأنهم عرفوا قدر الأعمار، وانكشفت لهم حقائق الأمور، فإنما حسرتهم على يوم من العمر ليتدارك المقصر به تقصيره فيتخلص من العقاب، وليستزيد الموفق به رتبه فيتضاعف له الثواب، فإنهم إنما عرفوا قدر العمر بعد انقاطعه، فحسرتهم على ساعة من الحياة وأنت قادر على تلك الساعة، ولعلك تقدر على أمثالها، ثم أنت مضيع لها. فوطِّن نفسك على النحسر على تضييعها عند خروج الأمر من الاختيار، إذا لم تأخذ نصيبك من ساعتك على سبيل الابتدار، فقد قال بعض الصالحين: رأيت أخا لي في الله فيما يرى النائم فقلت: يا فلان، عشت الحمد لله رب العالمين، قال: لأن أقدر على أن أقولها –يعني الحمد لله رب العالمين- أحب إلي من الدنيا وما فيها، ثم قال: ألم تر حيث كانوا يدفنوني؟ فإن فلانا قد قام فصلى ركعتين، لأن أكون أقدر على أن أصليها أحب إلي من الدنيا وما فيها.